لعل اول ما يتبادر الى الاذهان عند السماع بوجود بعض الحكام والانظمة العربية والخليجية يسارعون ويلهثون خلف الرضى الاميركي ووراء التطبيع مع العدو الصهيوني، ماذا يستفيد هؤلاء الحكام من ذلك؟ وهل التطبيع مع العدو يتم بمحض إراداتهم ام انه يفرض عليهم فرضا من قبل الاميركيين او من قبل بعض المسؤولين او الانظمة الاقليمية والخليجية؟ وهل هم يقومون بذلك طمعا بحماية اميركية واسرائيلية مفترضة للبقاء بالحكم او انه بمحض خياناتهم التي ترسخت فيهم منذ سنين طويلة؟
وکالة الاذاعة و التلفزة الایرانیة للأنباء
كما تطرح الكثير من التساؤلات البديهية بأنه: لماذا لا يعمل هؤلاء على الالتزام بقضايا الامة وعلى رأسها القضية المركزية للعرب والمسلمين أي القضية الفلسطينية؟ لماذا لا يعمل هؤلاء على حماية القدس المحتلة وعلى تحريرها من رجس الاحتلال الاسرائيلي بما فيها من مقدسات اسلامية وكنائس مسيحية؟ ولماذا لا يلتزم هؤلاء الحكام بتحقيق حق العودة للشعب الفلسطيني المشرد من أرضه منذ عشرات السنين بفعل الجرائم الاسرائيلية؟
كل هذه التساؤلات وغيرها الكثير تطرح اليوم بشكل بديهي جراء الاعلان عن تطبيع العلاقات بين حكام الامارات وكيان العدو الاسرائيلي، في جريمة وخيانة رحبت بها الانظمة المشابهة للنظام الاماراتي، وتنوعت هذه المواقف بين من نوه وأشاد وبين من التزم الصمت المريب واكد الالتزام بما يسمى “مبادرة السلام العربية”، وبين من زعم انه لن يكون إلا آخر المطبعين مع العدو، وغيرها من المواقف التي “لا تغني ولا تسمن” إلا انها تصب كلها بنفس السياق الذي يؤدي بالنهاية الى الاعتراف بشكل او بآخر بالعدو ويوصل الى إقامة العلاقات معه ويتغاضى عن كل مظلومية الشعب الفلسطيني والشعوب العربية التي احتلت أرضها.
ما عن الاسباب التي قد تدفع بالحكام العرب وبالتحديد الخليجيين الى الاعلان عن العلاقات مع العدو الصهيوني، لا سيما انها بالتأكيد كانت قائمة وفاعلة في الظل وبالخفاء بينما اليوم يتم إخراجها للعلن بكل وقاحة، ومن هذه الاسباب:
-الرغبة الاميركية بتحقيق ذلك في ظل الادارة الحالية ومحاولة تقديم ذلك على انها “انجازات” للرئيس دونالد ترامب امام اللوبيات الصهيونية للحصول على دعمها في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
-الرغبة الاسرائيلية بالاستفادة من وجود ترامب للحصول على الموافقات الرسمية والعلنية لبعض الانظمة العربية والخليجية بتطبيع العلاقات مع “اسرائيل”، فهذه الانظمة لا تجرؤ على الوقوف بوجه الرغبة الاميركية وبالتالي هذه فرصة ذهبية للعدو الصهيوني بالاعلان الصريح عن هذه العلاقات.
-اعتقاد بعض الحكام والمسؤولين في بعض الانظمة العربية والخليجية ان الانصياع الاعمى خلف الرغبات الاميركية والاسرائيلية قد يحقق لهم طموحاتهم بالوصول الى رأس السلطة في بلدانهم من جهة، ومن جهة ثانية قد يؤمن لهم الحماية في البقاء بهذه المناصب لسنوات طويلة أيا كانت المعارضات الداخلية التي يتعرضون لها سواء من قبل ابناء العائلات الحاكمة من امراء وشيوخ او حتى من قبل شعب هذه الدولة او تلك، فهؤلاء الحكام قد يعتقدون ان توقيع الاتفاقيات وتطبيع العلاقات مع العدو قد يؤمن لهم الحماية من اي محاولة انقلاب او ثورة ضدهم قد تجري في الداخل.
إلا ان على هؤلاء الحكام التعلم من تجارب الماضي لا سيما القريب منه، حيث ان الحكام الذي وقعوا الاتفاقيات مع العدو وقدموا له وللاميركيين كل الخدمات الممكنة وتآمروا على شعوبهم وعلى قضايا أمتهم وعلى الشعب الفلسطيني إلى أبعد الحدود، كل ذلك لم يحميهم امام شعوبهم المظلومة من جهة، كما لم يحصنهم من جهة ثانية امام الصفقات الاميركية والاسرائيلية التي أطاحت بهم عندما تحتاج مصالح واشنطن وتل ابيب ذلك.
وعلى الانظمة والحكام في المنطقة ولا سيما في الخليج الفارسي التنبه ان فتح خزائن دولهم وبيع البلاد وخيراتها للاميركي والاسرائيلي لن يمنع الاطاحة بهم عندما تسمح الظروف بذلك للشعوب أولا، او عندما يقرر ذلك “سيدهم” الاميركي وذيله الاسرائيلي، وعلى هؤلاء الحكام التأكد ان لا حماية لهم بمواجهة الاعداء إلا عبر الشعوب التي تكون هي الحامية والراعية للاوطان وللاحرار فيها امام كل المؤامرات التي تحاك في بعض العواصم الغربية او في كيان العدو الغاصب.
وبالتالي اي استفادة او مصلحة ضيقة مفترضة تُبنى على نظرية الحماية الاميركية والاسرائيلية هي استفادة مؤقتة وغير مضمونة وقد تزول بأي لحظة بناء لمصالح وحسابات الاميركيين ومن خلفهم الاسرائيليين، والتي لن تتوقف عن حد معين بل سيتواصل الابتزاز لهؤلاء الحكام الى ما لا نهاية.
المصدر: موقع المنار- ذوالفقار ضاهر